التعاون الدولي عامل حاسم وراء نجاح المجتمع المدني. بالإضافة إلى مسألة التأثير على الشركات التي نوقشت سابقًا في الفصل، يسمح التعاون الدولي للمجتمع المدني بمشاركة أفضل الممارسات في المجالات سريعة التطور للطب الشرعي الرقمي والرسائل المضادة، ومشاركة المعلومات حول التهديدات العابرة للحدود الناشئة و انتشار مجموعات أدوات المعلومات المضللة التي تستخدمها الجهات الفاعلة الخبيثة الأجنبية والمحلية على حد سواء.
على سبيل المثال، مع ظهور فيروس كوفيد-19، انتشرت عملية معلومات منسقة للحزب الشيوعي الصيني (CCP) تم تصميمها لزرع معلومات خاطئة حول أصول الفيروس، وذلك لتقويض نجاحات الجهات الديمقراطية في مكافحة الفيروس، ولتعزيز القصص حول مساعدات الحزب الشيوعي الصيني للبلدان التي تكافح لاحتواء الفيروس وعلاجه. ولذا، عقد المعهد الجمهوري الدولي اجتماعا لمجموعة يضم أكثر من مائة ممثل من المجتمع المدني من كل ركن من أركان العالم لتسهيل تبادل المعلومات حول تكتيكات وروايات الحزب الشيوعي الصيني المتعلقة بالفيروس، بالإضافة إلى أفضل الممارسات لمواجهة عملية المعلومات هذه. تُعد هذه الشبكات وعمليات تبادل المعلومات بالغة الأهمية للمجتمع المدني في محاولته البقاء في صدارة تهديدات المعلومات.
كما ساعد التعاون الإقليمي أيضًا على كشف العمليات الإعلامية المنسقة عبر الحدود ومكافحتها. تعاون الناشطون في البلدان التي تأثرت بالمعلومات المضللة الروسية لتبادل المعلومات حول التكتيكات والروايات الروسية التي تتكرر في جميع أنحاء بلدانهم، أو حيث تُستخدم الأصول نفسها (الحسابات والصفحات والمجموعات وخوادم المحتوى وما إلى ذلك) عبر الحدود. كما تعاونوا أيضًا في تطبيق استخبارات مفتوحة المصدر (OSINT) لفضح الأكاذيب الروسية: مجموعة "إنفورم نابالم" هي جهد تطوعي يتألف من أفراد من أنحاء عشر دول يعرضون " أدلة على العدوان الروسي للعالم "، بما في ذلك نشر أسماء الجنود الروس الذين قاتلوا في أوكرانيا وجورجيا وسوريا بناءً على نشاط وسائل الإعلام الاجتماعي لهؤلاء الأفراد.
كما ذكرنا سابقًا، توفر الشبكة الدولية لتقصي الحقائق التابعة لمعهد بوينتر آلية لاعتماد مجموعات تقصي الحقائق وفقًا لمبادئها، ولتنسيق عملية تقصي الحقائق على الصعيد العالمي. بالإضافة إلى ذلك، تم دمج نظام وأعضاء الشبكة الدولية لتقصي الحقائق في أنظمة 'فيسبوك' على الإنترنت لاستعراض المحتوى واحتمالية خفض مستواه. وهذا ينطوي على إمكانية التوسع سواء من خلال منصة التكنولوجيا على الإنترنت ومن خلال شبكة المنظمات التي تشارك أفضل الممارسات وتقوم بإجراء البحوث وتراجع الحقائق على مستوى العالم.
ومن أنجح مبادرات المجتمع المدني في مكافحة المعلومات المضللة هي المبادرات التي يديرها المتطوعون. وهذا يعكس رد الفعل الشعبي على كل ما يشكل تهديًا جديدًا نسبيًا. ومع ذلك، فإن المعلومات المضللة على الإنترنت ليست موجودة لتبقى فحسب، بل من المرجح أن تنتشر وتتطور مع انتشار المنصات والجهات الفاعلة والتكتيكات المختلفة. لذلك، يحتاج المجتمع المدني إلى نموذج تمويلي يقر بالحاجة إلى توظيف خبراء متخصصين على المدى الطويل. بير لتوماس كينت، "غالبًا ما تنخفض المنح في نطاق يتراوح بين 10000 - 50000 دولار - وهي تكفي بالكاد لتوظيف الموظفين وتنفيذ المشاريع الكبرى. وقد تتلخص مشاريع التقدم الحقيقي في بنود كبيرة مثل فتح محطات إذاعية وتلفزيونية للتنافس مع الإذاعات التي تسيطر عليها الحكومات الاستبدادية والمصالح المالية الفاسدة. تكاد تكون المشاريع من هذا النطاق مستحيلة بالنظر إلى الطريقة التي يتم بها التعامل مع التمويل الآن".