يتم تنفيذ تدخلات التثقيف الرقمي والإعلامي على افتراض أنه إذا كان بإمكان الجمهور استخدام مهارات التفكير النقدي الضرورية في الوقت الذي يستهلك فيه محتوى وسائط الإعلام على الإنترنت والمحتوى التقليدي، فسوف يزيد ذلك من قدرتهم على التمييز بين المحتوى الواقعي والمضلل أو المزيف. لذلك فإن منظمات المجتمع المدني في وضع جيد لتنفيذ هذه البرامج بشكل خاص بسبب دور المجتمع المدني في إحداث انقسامات شاملة ومصالح مشتركة. بالإضافة إلى التحسينات المحتملة في قدرة المواطنين على تحديد الأخبار الكاذبة، يمكن أن تساعد هذه البرامج في زيادة الوعي حول كيفية إلحاق الضرر بروايات المعلومات المضللة بشكل غير متناسب بالنساء والفئات المهمشة. يمكن أن يساعد أن هذا الوعي المشترك المجموعات المدنية بصورة معقولة على بناء دعم أوسع للدعوة أو الاستجابات، على الرغم من أن الدليل على تأثير هذه البرامج على مواقف المواطنين تجاه الفئات المهمشة لا يزال غير واضح حتى الآن. تهدف هذه الأنواع من التدخلات إلى مساعدة الجمهور على توخي الحذر وتجنب الثقة العمياء بمحتوى الوسائط الإعلامية والمعلوماتية الأخرى المتاحة على شبكة الإنترنت. وتُنشر هذه التدخلات استجابةً للجماهير التي لا تستهلك المعلومات المضللة فحسب، بل تساعد أيضًا في نشر مثل هذا المحتوى على مجموعة أكبر من الجماهير دون بذل جهود للتحقق من دقة المحتوى. وقد أثبت التحول المتزايد لوسائط الإعلام إلى البيئة الرقمية أنه سيف ذو حدين. وقد قامت منصات الإنترنت ووسائل الإعلام الاجتماعي بتحسين الوصول إلى وسائط الإعلام والمعلومات، بالإضافة إلى تعدد مصادر الأخبار، ولكنها أسهمت مع ذلك في تراجع نوعية الأخبار والمعلومات. يمكن أن يؤدي تحسين التثقيف الإعلامي والرقمي بين الجمهور دورًا هامًا في المساعدة على تقليل إمكانية التعرض للمعلومات المضللة بمرور الوقت.
وكما أوضحت بعض الجهات المنفذة من خلال عملها، يمكن بدأ تعلم الكثير من عمليات التثقيف الرقمي والإعلامي وما يرتبط بهما من مهارات التفكير النقدي منذ الصغر، بل ويجب تدريسها منذ الصغر، على غرار المهارات التعليمية الضرورية الأخرى. تُعد مبادرة برنامج مجلس البحوث والتبادلات الدولية (IREX) لتعلم التميز (L2D) واحدة من أنجح مبادرات التثقيف الإعلامي التي تستند إلى النقطة المذكورة سابقًا. ووضع مجلس البحوث والتبادلات الدولية منهجًا للتثقيف الإعلامي يتم تدريسه في الفصول الدراسية والمكتبات والمراكز المجتمعية في أوكرانيا، ويصل إلى أكثر من 62000 فرد من جميع الأعمار. يهدف النهج الذي اعتمده مجلس البحوث والتبادلات الدولية إلى بناء قدرة المجتمعات على مقاومة المعلومات المضللة والدعاية وخطاب الكراهية المنتشر في وسائل الإعلام التقليدية وعلى الإنترنت في أوكرانيا. بعد اكتساب الكثير من الزخم الإعلامي والنجاح في أوكرانيا، تم تطبيق برنامج تعلم التميز (L2D) في صربيا وتونس والأردن وإندونيسيا والولايات المتحدة. وبفضل المنهج التفاعلي الذي يشرك الجماهير حول الموضوع من خلال الألعاب ومحتوى الوسائط المتعددة، تمكنت مبادرة تعلم التميز (L2D) من اجتذاب الشباب الصغير ورفع مستوى الوعي بينهم حول تأثير المعلومات المضللة على حياة المواطنين العاديين.
Featured Intervention
وبعد عام ونصف من بدء المشروع في أوكرانيا، أجرى مجلس البحوث والتبادلات الدولية مسحًا لتقييم الأثر في عام 2017، والذي أظهر أن 28% من المستفيدين من برنامج تعلم التميز (L2D) قد "أظهروا على الأرجح معرفة متطورة بصناعة وسائل الإعلام الإخبارية" وأن 25% يمكنهم "غالبًا مراجعة الحقائق بصورة ذاتية من مصادر إخبارية متعددة". بعد تجربة منهج تعلم التميز (L2D) المحسّنة في 2018 على أكثر من 5000 طالب في الصفين الثامن والتاسع في 50 مدرسة، قام مجلس البحوث والتبادلات الدولية بتقييم المستفيدين من خلال الاستطلاع والذي أظهر أن أداء طلاب برنامج تعلم التميز (L2D) أفضل من أداء أقرانهم في مجموعة خاضعة للرقابة عند "تحديد الحقائق والآراء والقصص الكاذبة وخطاب الكراهية وإظهار معرفة أعمق بقطاع الإعلام الإخباري". قام مجلس البحوث والتبادلات الدولية منذ ذلك الحين بتوسيع نطاق المناهج ليشمل أكثر من 650 مدرسة في جميع أنحاء أوكرانيا وتتعاون مع وزارة التعليم والعلوم الأوكرانية لدمج المناهج في نظام التعليم في أوكرانيا. كما تلقى مجلس البحوث والتبادلات الدولية دعمًا من الحكومة الكندية وسفارة الولايات المتحدة في أوكرانيا ووزارة التنمية الدولية التابعة لحكومة المملكة المتحدة. كما شارك مع المنظمات المحلية أكاديمية الصحافة الأوكرانية و "StopFake" لتنفيذ برنامج تعلم التميز (L2D) منذ عام 2015.
وبسبب الاهتمام المتزايد بالدعاية والمعلومات المضللة الموالية لروسيا، عملت أوكرانيا والبلدان المجاورة في أوروبا الشرقية كمختبر لاختبار عدد كبير من مبادرات مكافحة المعلومات المضللة. ومع ذلك، لم تقتصر مبادرات التثقيف الإعلامي والرقمي على أوروبا أو لمعالجة الدعاية الروسية، بل اتخذت أشكالًا عديدة في أماكن أخرى من العالم. وكان الاستخدام المتزايد للمعلومات وأدوات التكنولوجيا في جميع أنحاء إفريقيا سببًا في ظهور مبادرات مثل المركز الأفريقي للتثقيف الإعلامي والمعلوماتي (AFRICMIL) بهدف تثقيف الشباب حول الاستخدام الفعال لتلك الأدوات. أطلق المركز الأفريقي للتثقيف الإعلامي والمعلوماتي أول مؤتمر للتثقيف الإعلامي في إفريقيا عام 2008 لمواصلة تعزيز هذا الهدف. وبدعم من منظمة الأمم المتحدة للتعليم والعلوم الثقافة (اليونسكو)، عمل المركز الأفريقي للتثقيف الإعلامي والمعلوماتي مع الشباب النيجيري لتعزيز فهمهم بتأثير استهلاك وسائط الإعلام والمعلومات لزيادة تثقيفهم الإعلامي. أطلق المؤتمر شبكة جامعة ميل في نيجيريا (MILUNN) لإشراك الشباب في نيجيريا ليكونوا أكثر إدراكًا بالدور الذي تلعبه وسائط الإعلام والمعلومات في مجتمعاتهم بهدف التوعية بهذا الموضوع. وقد أثبتت المساهمة التي قام بها المركز الأفريقي للتثقيف الإعلامي والمعلوماتي، من أجل رفع مستوى الوعي بين الصحفيين بأدوات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وإجراء حوار بين الأقران محليًا وإقليميًا عبر المحتوى، أنها مفيدة في ضمان سماع أصوات الشباب. ووصل عدد متابعي المنظمة المصرية لتقصي الحقائق 'متصدقش' ("لا تصدق") إلى أكثر من 500 ألف متابع على 'فيسبوك' بمقاطع فيديو وصور توعوية تسلط الضوء على مخاطر المعلومات المضللة التي يتعرض لها المجتمع من خلال الرسوم البيانية وبيانات فضح الحقائق، بما في ذلك تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
في إندونسيا، قادت منظمة المجتمع المدني الشعبية لمكافحة الخدع الكاذبة Masyarakat Anti Fitnah Indonesia (مافيندو) موقع مبادرة CekFacta، للتحقق من المحتوى الذي يعمل على تعزيز التثقيف الرقمي بين الجمهور. صفحة منظمة 'مافيندو' على 'فيسبوك' لديها أكثر من 34000 إعجاب على صفحتهم على 'فيسبوك' والتي من خلالها ترفع الوعي بالخدع الكاذبة والمخاطر التي تشكلها على المجتمع. كما عملت منظمة 'مافيندو' أيضًا على وضع خطة تفصيلية بالبلاغات الكاذبة في عامي 2018 و 2019 لتعزيز فهم الجمهور للمحتوى الضار الذي يتغلغل في مجتمعاتهم أكثر. ونشرت المجموعة على صفحتها مقاطع فيديو تهدف إلى تسليط الضوء على مخاطر الخدع والمعلومات الكاذبة؛ حيث صلت مشاهدات مقطعين من مقاطع الفيديو التي تم تحميلها على 'فيسبوك' إلى أكثر من 32000 مشاهدة. ومع ذلك، على الرغم من العدد الكبير نسبيًا لمتابعي الصفحات والسرعة التي يحصل عليها بعض محتوى المجموعة من الجماهير، لم تتلق المنشورات الأخيرة أكثر من بضع مئات من المشاهدات في المتوسط وأقل قدر من الإعجابات والتفاعل من المشاهدين. علاوة على ذلك، هناك مجموعة إندونيسية أخرى، الإعراض عن الخدع الكاذبة 'Turn Back Hoax' ، لديها أكثر من 200000 إعجاب ومتابعين على صفحتهم على 'فيسبوك' وتتلقى مشاركات منتظمة على المنشورات من المتابعين.
Featured Intervention
Design Tip
من أجل تقييم سلامة المعلومات بشكل فعال لفهم الاحتياجات وتصميم الاستجابات البرامجية لسياقات محددة ، يجب أن تقترن جهود محو الأمية الرقمية والإعلامية بمبادرات مراقبة وسائل الإعلام والتحقق منها التي تم استكشافها في القسم التالي.
تتيح المبادرات العالمية مفتوحة المصدر مثل 'إطار تثقيف شبكة موزيلا' و مكتبة التثقيف الرقمية على 'فيسبوك'، حيث يمكن للمستخدمين الوصول إلى مواد التثقيف التعليمية التي يمكن الوصول إليها في أي وقت وفي أي مكان، فرصة للمستخدمين لتعلم كيفية التنقل الفعال في العالم الافتراضي. تأخذ الألعاب التفاعلية مثل لعبة Bad News DROG المدعومة من صندوق الصحافة الهولندي المستخدمين في رحلة حيث يُطلب منهم إثبات مصداقيتهم. وتعمل هذه البرامج التفاعلية كأداة تعليمية. حيث توفر سياقات يمكن استيعابها بشكل أفضل لمواجهة مخاطر المعلومات المضللة في الحياة اليومية للمواطنين والمجتمع بشكل عام. تم تصميم 'مشروع التثقيف الإخباري' مبادرة Checkology لدعم كل من الطلاب والمعلمين، وهي بمثابة أداة تعليمية لتوفير فهم شامل للمستهلكي المعلومات. ويدعي المشروع أنه حقق نتائج مهمة في الفصول الدراسية الافتراضية حيث "تمكن أكثر من ثلثي الطلاب من تحديد معايير الصحافة الجيدة بعد الانتهاء من دروس Checkology".
كما ساعدت برامج التثقيف الرقمية والإعلامية بشكل كبير في فهم استهلاك الجماهير وفي تأطير احتياجات الجماهير من أجل بناء قدراتهم على مواجهة المعلومات الخاطئة، والتي تستهدف بشكل أساسي المعلومات المضللة التي تهدف إلى إنشاء انقسامات بين المواطنين.